تقرير حقوقي: 658 حالة اعتقال تعسفي في سوريا خلال النصف الأول من 2025
تقرير حقوقي: 658 حالة اعتقال تعسفي في سوريا خلال النصف الأول من 2025
كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر، اليوم السبت، عن توثيق ما لا يقل عن 658 حالة اعتقال تعسفي واحتجاز خلال النصف الأول من عام 2025، من بينها 72 حالة سُجّلت في شهر يونيو فقط.
وسلط التقرير المؤلف من 26 صفحة الضوء على الحاجة الملحة لوضع ضوابط قانونية تنهي عهد الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، خاصة في ظل التحولات الجذرية التي شهدتها البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024 وتشكيل حكومة انتقالية جديدة.
توثيق الانتهاكات
بحسب تقرير الشبكة الحقوقية، توزعت حالات الاعتقال التعسفي بين أطراف النزاع، إذ سجلت الحكومة الانتقالية 192 حالة، من ضمنها 4 سيدات وطفل، في حين وثقت قوات سوريا الديمقراطية 378 حالة، بينها 32 طفلاً و5 سيدات، أما فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني فقد ارتكبت 88 حالة، بينها 7 سيدات.
جغرافياً، سجلت محافظة حلب أعلى عدد من حالات الاعتقال، تلتها دير الزور ثم الرقة، وأشار التقرير إلى أن الحكومة الانتقالية أفرجت عن عدد أكبر من المعتقلين مقارنة بعدد المحتجزين، مرجعاً ذلك إلى الإفراج عن مئات المعتقلين من سجن حمص المركزي، ممن كانوا محتجزين سابقاً بسبب ارتباطهم بالنظام السابق.
أساليب الاعتقال وانتهاكات متكررة
وثّق التقرير قيام الأجهزة الأمنية في الحكومة الانتقالية باعتقالات طالت منتقديها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأخرى استهدفت مدنيين للضغط على أقاربهم المطلوبين، كما طالت الاعتقالات أشخاصاً من المكوّن الكردي بدعوى تعاونهم مع "سوريا الديمقراطية"، وناشطين من السويداء أوقفوا على حواجز أثناء توجههم إلى شمال شرق البلاد، وأفرج عنهم لاحقاً.
وسجل التقرير اعتقالات في محافظة حماة على خلفية اتهامات تتعلق بسب الذات الإلهية والإفطار العلني في رمضان، فضلاً عن مداهمات في ريف القصير استهدفت مشتبهين بتهريب الحدود، تخللها انتهاكات للممتلكات الخاصة.
تجنيد الأطفال واحتجاز الجرحى
اتهم التقرير قوات سوريا الديمقراطية بتنفيذ حملات دهم جماعية بذريعة ملاحقة خلايا "داعش"، واستهدفت مدنيين بتهم التعاون مع العشائر والجيش الوطني أو المشاركة في عملية "ردع العدوان"، كما وثقت الشبكة اعتقالات على خلفية إزالة شعارات القوات ورفع علم الثورة، واحتجاز مدنيين بسبب منشورات ناقدة. وشملت الانتهاكات أيضاً اعتداءات جسدية على نساء، والاستيلاء على ممتلكات خاصة.
كما أُشير إلى استمرار تجنيد الأطفال ونقلهم إلى معسكرات تدريب دون علم ذويهم، ما يشير إلى نمط من أنماط التجنيد القسري.
اعتقالات وخطف جماعي
من جهتها، نفذت فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني اعتقالات عشوائية، طالت قادمين من مناطق سيطرة "سوريا الديمقراطية"، من بينهم نساء. وشملت بعض الحالات خلفيات عرقية، وتركزت في عفرين بحلب، دون مذكرات توقيف أو تهم واضحة.
كما اعتقلت عناصر تابعة لفرقة "السلطان سليمان شاه" مزارعين بهدف إجبارهم على دفع "أتاوات" عن أشجار الزيتون، وفق ما جاء في التقرير.
كما وثق التقرير قيام الحكومة الانتقالية في سوريا بحملات اعتقال طالت 587 شخصاً، بينهم موظفون وأطباء وعسكريون سابقون متهمون بارتكاب انتهاكات خلال فترة حكم الأسد، نُقلوا إلى سجون مركزية في حمص وعدرا وحماة.
غياب العدالة وتكرار الانتهاكات
خلص التقرير إلى جملة من الانتهاكات القانونية، أبرزها: تنفيذ اعتقالات دون مذكرات قانونية، ما يشكل خرقاً للمادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واستمرار التعذيب والمعاملة المهينة، في انتهاك لاتفاقية مناهضة التعذيب، وغياب إجراءات الإفراج القانونية والشفافة، واستمرار ظاهرة الاختفاء القسري، دون كشف المصير أو إبلاغ العائلات، وكذلك غياب آليات المحاسبة الفعالة رغم التغير السياسي.
دعوات للمجتمع الدولي ومؤسسات العدالة الدولية
وجهت الشبكة السورية توصياتها إلى عدد من الجهات، أبرزها: مجلس الأمن الدولي لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية وتجميد أصول النظام السابق، وكذلك إلى مجلس حقوق الإنسان لمواصلة التركيز على ملف المعتقلين، وأيضا إلى لجنة التحقيق الدولية (COI): لفتح تحقيقات معمقة حول الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وإلى الأمم المتحدة: للضغط من أجل نشر قوائم المعتقلين والسماح للمنظمات الدولية بزيارة مراكز الاحتجاز، وإلى المؤسسة المعنية بالمفقودين لمراجعة الحالات والتعاون مع الحكومة الانتقالية في هذا المجال.
كما طالبت التقرير كافة أطراف النزاع، بما فيها الحكومة الانتقالية، بإنهاء جميع أشكال الاحتجاز التعسفي، والكشف عن مصير المعتقلين، وضمان الإفراج غير المشروط عنهم، في إطار تحقيق العدالة والانتقال نحو دولة قانون ومؤسسات.
من الثورة إلى الحكومة الانتقالية
تدخل الأزمة السورية عامها الخامس عشر وسط تحولات سياسية غير مسبوقة أعادت رسم المشهد الداخلي. اندلعت الاحتجاجات في مارس 2011، ضمن موجة "الربيع العربي"، للمطالبة بالحرية والديمقراطية، لكنها تحولت سريعاً إلى نزاع مسلح متعدد الأطراف خلّف مئات آلاف القتلى وملايين النازحين واللاجئين، ودماراً واسعاً في البنية التحتية.
طوال أكثر من عقد، هيمنت قوى متعددة على الجغرافيا السورية، أبرزها النظام السوري، والمعارضة المسلحة، وقوات سوريا الديمقراطية، إضافة إلى تدخلات خارجية من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة. شهدت السنوات الأخيرة جموداً سياسياً نسبياً، إلى أن جاءت اللحظة المفصلية في 8 ديسمبر 2024، حين أُعلن عن سقوط نظام بشار الأسد، بعد تصاعد الضغوط الداخلية والدولية، وتشكيل حكومة انتقالية يفترض أن تقود البلاد نحو مرحلة من العدالة الانتقالية، وإعادة الإعمار، وبناء مؤسسات الدولة.
ورغم هذه التحولات، لا تزال البلاد تعاني من أزمات أمنية، واقتصادية، واجتماعية، بينما تواجه الحكومة الانتقالية تحديات كبرى تتعلق بإعادة بناء الثقة، وتحقيق العدالة، وضمان احترام حقوق الإنسان في بلد أنهكته الانتهاكات لعقد ونصف.